“الجوار” في المدن المختلطة


الجلسة 5: “الجوار” في المدن المختلطة- مصطلح له علاقة بالمستقبل

مجلس شرفي لبروفيسور ريمستمة، مدير صندوق هامبورغ لتعزيز البحث والثقافة

عريف الجلسة: الحاخام دفيد مناحيم، حاخام حي رسكو في القدس.

المتحدثون:

  • بروفيسور يفعات فايس،  معهد فان لير ورئيس مركز منيرفة، الجامعة العبرية.
  • المحامي ميخال فينتشوك، المديرة العامة لجمعية أساف، جمعية لمساعدة اللاجئين وطالبي اللجوء في إسرائيل.
  • بروفيسور أمل جمال، رئيس البرنامج الأممي بالعلوم السياسية والصحافة السياسية، جامعة تل أبيب.

يفعات فايس:

عملت بحيفا. أثارت الانتفاضة الثانية لدي وجهة نظر جديدة بما يتعلق بالمدينة التي وُلِدت بها. نمى بي مفهوم متأخر: كانت طفولتي أكثر تعقيدا من ما ظننت.

كان “التعايش” أول مصطلح تزعزع في الانتفاضة الأولى. تفتخر مدينة حيفا بالتعايش, ومن الممكن أن هناك بعض الجوانب التي تتميز بهذا الوصف. هناك جوانبا تتميز بالمشاركة, والإرادة الجيدة والتواصل الإيجابي ما بين الوسطين العربي واليهودي. مع ذلك, هناك إشكالية في مصطلح “التعايش”. يحاكي هذا المصطلح معادلة متساوية الأطراف. تعتبر المساواة التي تُستنتج من هذا المصطلح ذات اشكالية بسبب جانب الأرقام بشكل أساسي. فقط 15% من إجمالي سكان حيفا من العرب.

يتواجد التعايش في حيفا بمفهوم واقع الحياة المشتركة, لكن وبنفس الوقت, هناك وهم وإخفاء. المدن المختلطة ليست مختلطة بالشكل الذي نتخيله عند استخدامنا لهذا المصطلح. المصطلحات “مدينة مختلطة” و “التعايش” هي مصطلحات مُضَلّلة.

برأيي, مفهوم الإختلاط عند الحديث عن “المدينة المختلطة” هو من فترة الإنتداب البريطاني, بحيث عاش العرب واليهود جنبا الى جنب تحت الحكم الخارجي الذي اتخذ دور الوسيط بين المجموعتين السكانيتين (حتى لو لم يكن حياديا). ليس من العدل أن نستخدم مصطلح “المدينة المختلطة” في حالة بها السيطرة والسيادة بأيدي جهه خارجية. تتواجد السيطرة في هذا الفترة بأيدي أحد الأطراف المتصارعة والتي وصلت اليه بعد حالة حرب تم خلالها تهجير الطرف الثاني. لذلك, فإن هذا المصطلح هو مضلل ومربك. هو يتناسى حقيقة أن الأغلبية اليهودية تعيش بجانب ما تبقى من الشعب الفلسطيني.

يعيش في حيفا ساكن إضافي, “الساكن الغير موجود”. الساكن الفلسطيني الغير موجود والذي لا يتجزأ عن الحيّز, هذا الساكن الذي هرب أو تم طرده, الساكن المفقود. هو موجود في الوعي وفي الذاكرة, هو متواجد في الحيّز. هو يؤثر على وعي الساكن العربي واليهودي بطرق مختلفة. يتجاهل الكثير من اليهود هذا الساكن. برأيي أن الساكن العربي لا يستطيع تجاهله. ويستطيع اليهودي أن يراه إن أراد ذلك فقط. هؤلاء هم “الجيران التاريخيين”. لا يعيش هؤلاء الجيران جنبا الى جنب بنفس الوقت, إنهم يعيشون هذا بعد هذا. يوجد في حيفا واقع لجيرة حالية ويوجد جيرة تاريخية. بنظري, تجاهل هذا الساكن المفقود هو أمر خاطئ.

يتواجد في القدس واقع مختلف. العرب في حيفا هم مواطنون إسرائيليون. الجيرة بين العرب واليهود في القدس هي جيرة بين مواطنين وبين أشخاص آخرين لهم وضع سياسي مختلف. وضع غير متساو وغير واضح. لا يسمح أساس هيكل المواطنة بالمصطلحات المختلطة. التعاطي مع تعدد الثقافات ليس مناسبا هنا.

 يتوجب أيضا التعامل مع المصطلحات بصراحة. القدس مدينة محتلّة. نحن نعيش سويا, هذا هو الوضع الحالي. هل تتواجد حلول حضرية في ظل انعدام الحلول السياسية؟ أنا لا أعلم. مع ذلك, أنا مقتنعة بأننا سنساعد أنفسنا إن قمنا بترتيب المصطلحات, وإن كنا صادقين أكثر. دعونا نبحث عن وصف للأمور كما هي.

المحامي ميخال فينتشوك:

هدف صناع السياسة في إسرائيل هو هدف معاكس لهدف القائمون على المؤتمر, والذين يطالبون بخلق جيرة جيده.  تصرّح حكومة إسرائيل بأنها تريد أن تجعل حياة طالبي اللجوء في إسرائيل سيئة. من الممكن رؤية هذا المبدأ على أرض الواقع, بحيث أن مركز الاعتقال حولوت هو المعنى الأكثر بروزا لهذه السياسة. يقر قانون منع التسلل بأن هدفه إخراج طالبي اللجوء من مراكز المدن: لمنع الجوار, والإبعاد, ولمنع التواصل.

انتقد تقرير مهم لمراقب الدولة من شهر أيار 2014 الحكومة الإسرائيلية بسبب عدم صياغة سياسة بما يتعلق بطالبي اللجوء, بناء مركز الاعتقال حولوت هو الأمر الوحيد الذي فعلته الحكومة بهذا الموضوع. يتم رمي أعباء طالبي اللجوء على السلطات المحلية وعلى السكان المحليين الذين يعيشون بجانبهم. تحاول السلطات المحلية التعامل مع طالبي اللجوء بطرق متفاوتة. هناك محاولة في تل أبيب لاحتواء طالبي اللجوء. في مقابل ذلك, تصرح بلدية إيلات بأنها لن تقدم أي خدمات لطالبي اللجوء المقيمين بها.

المساواة هي من تصنع الجوار الحسن. أقصد المساواة الأساسية اليومية: تهيئة الخدمات, إمكانية كسب العيش. يتم إعطاء طالبي اللجوء في اسرائيل تصاريح تحميهم من التهجير القسري لبلادهم الأصلية فقط. لا يوجد لهم أي حقوق صحية أو امتيازات رفاه, ولا يُسمح لهم بالعمل. أحد البنود التصريح الواضحة: لا يعتبر هذا التصريح بمثابة رخصة للعمل. وعدت الحكومة بأنها لن تعاقب أصحاب العمل الذين يوظفون طالبو اللجوء. يُلزم القانون بتسجيل الأطفال في أطر تعليمية , لكننا نواجه المشاكل في هذا المجال أيضا.

بناء على القانون, يُسمح باعتقال شخص ما بهدف إبعاده عن مراكز المدن لفترة زمنية أقصاها عام, معنى ذلك غير واضح. الضرر الذي أصاب علاقات الجيرة كبير: كل من تمكن من إيجاد دائرة اجتماعية داعمة يتم نزعه منها واعتقاله في مركز حولوت  لمدة عام مما يجبره على البدء من جديد بعد خروجه منه.

ظروف الاعتقال هي موضوع آخر. من الضروري أن تسمح المنطقة لساكنيها بأن يعيشوا مع بعضهم, وليس فوق بعضهم أو على حساب بعضهم البعض. هنالك متطلبات أساسية للعيش الكريم. سأُسلّط الضوء على مدينة تل أبيب بحيث أن بها نسبة طالبي اللجوء الأعلى. في عام 2011, وصل عدد الأجانب الى 61% من عدد السكان القاطنين بخمسة أحياء مركزية في جنوب تل أبيب (نفيه شأنان, فلورنتين, شفيرا, كريات شالوم وحي التكفا). كان تأثير ذلك على السكان المحليين كبيراً. لم يتغيّر اللون فقط, بل تغيرت الكثافة أيضا, فقد تضاعف عدد السكان من دون أن يتم تهيئة البنية التحتية.

 لا يوجد سياسة للتوزيع. تم إرسال طالبي اللجوء على مدى السنوات الماضية الى تل أبيب, من دون توجيه وتخطيط, مما أدى الى تجمع مجموعه من طالبي اللجوء في جنوب تل أبيب والتي شجعت المزيد من طالبي اللجوء على الانتقال الى هناك. هناك فرص عمل أكثر للإسرائيليين في تل أبيب, كذلك الأمر بالنسبة لطالبي اللجوء. تم في الآونة الأخيرة إطلاق سراح 1200 شخص من مركز حولوت, وتلقوا تصاريح تمنعهم من الوصول الى تل أبيب. إنها التجربة الأولى لتوزيع طالبي اللجوء على المناطق الأخرى. لا تكمن المشكلة بالتوزيع. ليس هناك أية فائدة من التوزيع الذي لا يترافق مع إمكانية المعيشة. من الصعب الاستمرار بالعيش من دون الحقوق ومن دون دوائر الدعم, تتواجد هذه الدوائر بالتجمعات السكانية الكبيرة.

من ناحية, على الدوله أن تقوم بتكثيف الموارد في المناطق التي يتواجد بها نسبة عالية من طالبي اللجوء. من ناحية أخرى, يتوجب العمل بشكل مدروس ويتوجب تشجيع توزيع طالبي اللجوء في كل البلاد بشكل أفضل. يتم تنفيذ ذلك عن طريق إعطاء الحقوق فقط. من الممكن الوصول الى علاقة الجوار الجيدة فقط إن استطاع طالبي اللجوء الوصول الى العيش الكريم, وكسب الرزق الكريم والحصول على الخدمات الطبية والرفاة.

بروفيسور أمل جمال:

سألوني إن كنت سأتحدث باللغة العربية أم باللغة العبرية. لا يوجد هنا مكان للغة العربية. عقد المؤتمر في مشكانوت شأنانيم لا يعكس علاقة الجيرة الجيدة. اخترت أن أتحدث باللغة العبرية لكي أُسلط الضوء على الحقيقة بأن هذا المكان هو خاص باللغة العبرية فقط. مع هذا, سأبدأ بمثل عربي: “الحي وليس القبيلة”. يتكون المجتمع العربي التقليدي من مجموعات متماسكة ومتجانسة (“العائلات”, العائلات الكبيرة, القبيلة). لكن الجار قبل العائلة, هذه مقولة أخلاقية من الدرجة الأولى. يتوجب أن يكون الولاء للقبيلة ولاء تاماً, مع هذا, تضع الثقافة العربية على سلم أولوياتها الجار قبل العائلة. يُستدل من المثل الآخر “إما أن تصالح الجار وإما أن تنقل” بأنه ليس هناك إمكانية أخرى.

الوضع في القدس هو وضع قسري. من غير الممكن تحقيق علاقة الجوار بالقوة, يتوجب أن يتم بناء علاقة الجوار على أساس من النية الحسنة والعادلة والمشاركة. بهذه الطريقة فقط يتم تأسيس علاقات الجوار. يتم تحقيق الذات الجماعية في القدس عن طريق إقصاء الجار, وعبر قطع الشراكات معه. تعتبر المدينة المساحة المفتوحة المبنية على الأخلاق المدنية. من غير الممكن أن تكون الهوية هي المقياس الأساسي والوحيد لتأسيس نظام للعلاقات مع الأخرين في المدينة.

الهوية أمر ضروري, هي أمر واقع من غير الممكن تجاهلها. يتطلب التحدي الناتج عن الهويات المختلفة توسط. يصل إقصاء هوية الأخر أعلى مستوياته في المدن المختلطة, وقد يصل الى حد الغاء الآخر. هناك أخلاق لعلاقة الجوار, علينا تطبيق هذه العلاقة إن أردنا تحقيق علاقة الجوار. لا تعني علاقة الجوار التواجد الفيزيائي القريب. من الممكن رؤية الفصل في هذه الفترة, مناطق العزل والحواجز الإسمنتية. هنالك الكثير من الفصل والجدران. من الممكن أن يكون الجدار ثقافة سياسية تتعارض مع أخلاقيات علاقة الجوار, وتعيق من لهم أهداف مختلفة.

يتنامى في هذه الفترة شعور الغربة في ظل نظام علاقات القوى. تقوي السياسة اليومية الفصل والشعور بعدم الثقة. يتناقض الواقع السياسي والأمني مع احتمالية الوصول الى الحل وتتدهور لتصل الى حد الإرهاب. ما الذي يدفع الإنسان للوصول الى الإرهاب؟ هو ليس ضحية للتحريض, بل هو يجد نفسه في هذا الوضع, ولا يجوز التخلي عن المسؤولية عن هذا الأمر. يتمثل التحدي المركزي بإعادة القليل من الثقة والعدالة ما بين الأطراف.

نقاش:

سؤال:

ما هي الصلة ل “علاقة الجوار التاريخية” بما يتعلق بشرق أوروبا؟

بروفيسور يفعات فايس:

ظهرت مع انتهاء الشيوعية طبقات مُلكِيّة وذاكرة فش شرق أوروبا. هناك صلة للساكن المفقود في شرق أوروبا أيضا. ولكن هناك فرقاً مهماً: في الكثير من الحالات في شرق أوروبا نحن نتحدث عن ساكن ليست له علاقه بالنسيج الإجتماعي. مرّت هذه المجتمعات بما يسمى بالوهم العرقي. فبولندا على سبيل المثال مدينة أحادية العرقية. يختلف الأمر في إسرائيل, بحيث أن الآخر مفقود وحاضر بنفس الوقت.

سؤال: الجوار هو مصطلح ذات طابع خارق للخصوصية ويتخطى النقاش السياسي, وهو بذلك يسمح بأمور أخرى.

بروفيسور أمل جمال:

 لم يهدف التركيز على الجانب السياسي الى تهميش علاقة الجوار المناهضة للمؤسسة. هناك من الجيران من يُصرّ على الحفاظ على الجسور فيما بينهم. هذا الأمر قائم ومن المهم أن نلف الانتباه اليه. من المهم التركيز على علاقة الجوار كعملية والتي تعكس نموذجاً بديلاً للنموذج المركزي. في الوضع الثقافي السياسي الراهن, الجوار الجيدين هم الخائنون. من المهم الإشارة الى ذلك والى مدى مسؤولية هؤلاء المندوبين أيضا.

بروفيسور يفعات فايس:

يعمل من في الأعلى على الفصل بأي وسيلة ممكنة. يتطلب مكافحة ذلك الكثير من النشاطات من الأسفل. ما هو تأثير الفرد الرافض لمبدأ الفصل اليومي؟  لا تتقبل مدينة تل أبيب سياسة دولة إسرائيل, إنه شكل من أشكال الرفض. ما هو مدى تأثير الرفض الفردي والمدني على العمليات الكبيرة؟ هذا هو السؤال.

المحامي ميخال فينتشوك:

على الرغم من الصورة, الوضع اليومي في جنوب تل أبيب هادئ. هناك شعور بالراحة. يعيشون بعلاقات جيار, ومن الممكن ملاحظة علاقة الأخوة على أرض الواقع.

سؤال: هناك قوة يومية مختلفة عن القوة السياسية التي قد تمكننا من توسيع علاقة الجوار, أو استبدال علاقة الجوار بالتضامن. من الممكن أن يخلق النشاط تغييراً في السياسة.

بروفيسور أمل جمال:

لا أحب أن أكون متنبئاً بالكوارث. أًقدر بشكل كبير ما يحدث على أرض الواقع. هنالك أمور جيده في أرض الواقع. ولكن, ألا تشعرون بأننا في تراجع؟ الواقع قوي. إرادة الوجود والمعيشة قوية جدا, بحيث تم إيجاد مناطق للعيش المختلط.

لكن وفي نهاية الأمر هناك نموذجا مركزيا بموجبه عليك الاختيار ما بين قبول التبعية وبين الحياة المنفصلة. مع كل الاحترام, يختار المجتمع الإسرائيلي مراراً وتكراراً الذهاب في الاتجاه المعاكس. من الممكن أن يكون الواقع جدليا، ومن الممكن أنه يجل أن نصل لدرجة السوء بهدف الوصول الى وضع أفضل. ستكشف لنا الأيام ذلك.

المحامي ميخال فينتشوك:

إنني متفائلة. التضامن موجود. متى سيتم ترجمة التضامن الى تغيير حقيقي, لمساواة؟ برأيي يتوجب الطموح لذلك.

 تلخيص المحاضره وتنقيحهاאסיף הוצאה לאור ומרכז כתיבה ועריכה

تمت ترجمة هذه المحاضرة للغه العربيه لدى: العربيه للإستشارات